اليونسيف في مواجهة التحديات العالمية ورؤية جديدة للغد
متابعة/ ساندي حسنين
في مثل هذا اليوم منذ ما يقارب من 78 عاماً تأسست منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) في 11 ديسمبر 1946 لتصبح أحد أهم الأذرع الإنسانية التابعة للأمم المتحدة التي تسعى لتحسين حياة الأطفال في جميع أنحاء العالم
المنظمة التي نشأت بهدف تقديم المساعدات الإنسانية للأطفال الذين يعانون من آثار الحروب والمجاعات في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية كانت بداياتها بسيطة ولكنها تمثل بداية تاريخ طويل من العطاء والمساعدة
على مدار العقود التي تلت تأسيسها تطورت اليونسيف لتصبح منظمة عالمية تسعى لتحقيق حقوق الطفل وتوفير حياة كريمة لجميع الأطفال بغض النظر عن مكانهم أو وضعهم الإجتماعي والإقتصادي
كانت اليونسيف على الدوام في طليعة الجهود العالمية لحماية الأطفال سواء في أوقات الأزمات أو في فترات السلام.
منذ نشأتها ركزت اليونسيف على تقديم مساعدات إنسانية للأطفال الذين كانوا يواجهون أوضاعاً قاسية في مناطق النزاع والكوارث الطبيعية
ومع مرور الوقت أصبح الدور الذي تلعبه المنظمة أكثر شمولاً وتعقيداً حيث تطور من مجرد تقديم الغذاء والمساعدات الطارئة إلى العمل الجاد لتوفير الرعاية الصحية والتعليم وحماية حقوق الأطفال من الإستغلال والتمييز
وبفضل هذه الرؤية الشاملة تمكنت اليونسيف من الوصول إلى ملايين الأطفال حول العالم وتحقيق تأثيرات إيجابية في حياتهم حتى في بعض أشد المناطق فقراً ونائية.
على الرغم من النجاحات التي حققتها اليونسيف على مر السنين فإن التحديات التي تواجهها المنظمة لم تقتصر على توفير المساعدات الإنسانية فحسب بل شملت أيضاً التحديات السياسية والإجتماعية والإقتصادية التي تؤثر على حقوق الأطفال في العديد من الدول
ففي العديد من المناطق التي تعاني من النزاعات المسلحة لا يزال الأطفال يعانون من أخطار الحرب والعنف والتهجير القسري
وتستمر الحروب في التأثير على حياة الأطفال حيث يواجهون القتل والتهجير ويحرمون من التعليم والرعاية الصحية
لذا كان من أولويات اليونسيف العمل على الوصول إلى هؤلاء الأطفال في المناطق المتضررة من النزاع وتقديم الدعم الإنساني الطارئ مثل توفير الغذاء والمياه النظيفة واللقاحات فضلاً عن تقديم الدعم النفسي للأطفال الذين تعرضوا لصدمات كبيرة.
من جهة أخرى كان للتغيرات المناخية أيضاً تأثيرات متزايدة على حياة الأطفال في بعض مناطق العالم
فقد أثرت الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف على الوضع الإجتماعي والإقتصادي للعديد من الأطفال في الدول النامية وزادت من معاناتهم
في هذا السياق عملت اليونسيف على تقديم الدعم للأطفال المتأثرين بهذه الكوارث مع التركيز على توفير المساعدات الطارئة مثل المياه الصالحة للشرب والإغاثة الغذائية فضلاً عن دعم برامج إعادة التأهيل والتعليم لتأهيل الأطفال وإعادة إدماجهم في مجتمعاتهم
بالإضافة إلى ذلك قدمت المنظمة برامج توعية للمجتمعات المحلية حول كيفية التكيف مع آثار التغير المناخي.
ومع مرور الزمن أصبحت اليونسيف إحدى المنظمات الرائدة عالمياً في مجال الدفاع عن حقوق الأطفال
حيث ساهمت المنظمة في تغيير السياسات العامة في العديد من الدول حول حقوق الأطفال مما ساعد في تحسين الأوضاع الإجتماعية والصحية والتعليمية للعديد من الأطفال في أنحاء مختلفة من العالم
فقد قامت اليونسيف بحملات قوية للمطالبة بحماية الأطفال من العنف والإستغلال وقد نجحت في فرض تغييرات على مستوى السياسات في العديد من البلدان
كما أطلقت العديد من البرامج التي تهدف إلى تحسين الرعاية الصحية للأطفال مثل مكافحة الأمراض المعدية التي تؤثر بشكل خاص على الأطفال بما في ذلك شلل الأطفال والحصبة وغيرها من الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات.
تعتبر اليونسيف كذلك من أبرز المنظمات التي ركزت على تحسين فرص التعليم للأطفال في البلدان النامية
ففي العديد من المناطق التي تعاني من ضعف في البنية التحتية للتعليم تمكنت اليونسيف من تقديم حلول مبتكرة مثل توفير التعليم عن بُعد للأطفال الذين لا يستطيعون الوصول إلى المدارس بسبب النزاعات أو الكوارث الطبيعية
بالإضافة إلى ذلك عملت المنظمة على تعزيز فرص التعليم للفتيات اللاتي غالباً ما يتعرضن للإقصاء في بعض الثقافات
ومن خلال برامجها المختلفة تمكنت اليونسيف من تعليم ملايين الأطفال حول العالم، وبالتالي تمكينهم من تحقيق إمكاناتهم في المستقبل.
لكن التحديات التي تواجهها اليونسيف لم تنته بعد فمع تطور العالم وتغير إحتياجات الأطفال تظل المنظمة في حاجة إلى المزيد من التعاون الدولي لتحقيق الأهداف الطموحة التي وضعتها لنفسها
على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها اليونسيف لا تزال هناك مناطق حول العالم تعاني من الفقر المدقع حيث يواجه الأطفال ظروفاً غير إنسانية نتيجة نقص الغذاء والرعاية الصحية
كما أن العديد من الأطفال لا يزالون محرومين من التعليم وهو أمر يؤثر بشكل كبير على مستقبلهما.
ومع ذلك فإن الإنجازات التي حققتها اليونسيف على مدار العقود الماضية تبرز نجاحاتها في معالجة قضايا حقوق الأطفال
فاليونسيف تمكنت من تقديم الدعم للأسر الفقيرة والمحرومة ومساعدة الأطفال في الحصول على التعليم والرعاية الصحية
وتستمر المنظمة في تعزيز قدرتها على تقديم المساعدة من خلال التطوير المستمر للبرامج التي تقدمها وتحسين إستراتيجيات الإستجابة للطوارئ.
اليونسيف اليوم هي أكثر من مجرد منظمة إغاثة إنها مؤسسة عالمية تسعى لتحقيق العدالة والمساواة للأطفال في كل أنحاء العالم
ففي الوقت الذي تستمر فيه الأزمات والمشكلات الإجتماعية والإقتصادية في التأثير على الأطفال في العديد من البلدان تظل اليونسيف في مقدمة الجهود العالمية لحماية حقوقهم وتحقيق رفاهيتهم
واليوم في الذكرى السنوية لتأسيسها نقف جميعاً مع اليونسيف ونحيي تاريخها الطويل من العطاء والمثابرة من أجل الأطفال متطلعين إلى المستقبل الذي تسعى المنظمة إلى خلقه حيث لا يحرم أي طفل من حقه في الحياة الكريمة.
وليس خافياً على أحد أن الطريق لا يزال طويلاً لتحقيق الأهداف المنشودة ولكن اليونسيف تظل رمزاً للأمل والتفاني في خدمة الإنسانية
إن التحديات قد تتغير وتتكاثر ولكن القيم التي تأسست عليها اليونسيف ستظل دائماً محفورة في مسيرتها مدفوعة بالإيمان الراسخ بأن كل طفل يستحق فرصة للعيش في عالم أفضل
حيث يظل العمل المستمر والتعاون بين الحكومات والمنظمات الإنسانية والمجتمعات المحلية هو السبيل الوحيد لتحقيق هذه الأهداف.
تستمر اليونسيف اليوم في تنفيذ مبادراتها التي تسعى لتحقيق الأمن الغذائي للأطفال وكذلك توفير فرص التعلم على أعلى مستوى
أُسست اليونسيف لتكون أحد الأدوات العالمية الأساسية في القضاء على الفقر ليس فقط من خلال تقديم المساعدات المباشرة بل من خلال إقامة شراكات مع الحكومات والمنظمات غير الحكومية لتطوير برامج تنموية مستدامة تؤثر بشكل إيجابي على الأطفال وأسرهم على المدى البعيد.
على مر السنين قامت اليونسيف بتوسيع نطاق عملها ليشمل العديد من البرامج التي تعنى بمجموعة واسعة من قضايا حقوق الأطفال
تركز المنظمة على تمكين الأطفال من الحصول على التعليم ويعد هذا أحد المجالات الأساسية التي تركز عليها في حملاتها العالمية
فهي تسعى إلى ضمان حصول كل طفل على فرصة للتعلم والتعليم الجيد بغض النظر عن الظروف المعيشية أو الجغرافية أو الإجتماعية
في المناطق التي تعاني من النزاعات أو الكوارث عملت اليونسيف على إرساء البرامج التعليمية المتنقلة التي تضمن إستمرار التعليم للأطفال الذين لا يستطيعون الوصول إلى المدارس
هذا النوع من التعليم يساعد الأطفال على إستعادة جزء من حياتهم الطبيعية ويوفر لهم الأدوات اللازمة للنجاح في المستقبل.
أما في مجال الصحة فقد نجحت اليونسيف في جعل الأطفال في معظم أنحاء العالم يتلقون الرعاية الصحية الأساسية
من خلال حملات التطعيم المنتظمة ضد الأمراض المعدية ساهمت اليونسيف في تقليل نسبة الوفيات بين الأطفال حيث عملت على توفير اللقاحات للأطفال الذين يعيشون في أماكن يصعب الوصول إليها
ووفقاً لإحصائيات اليونسيف فإن حملاتها لمكافحة شلل الأطفال على سبيل المثال قد ساهمت بشكل كبير في القضاء على هذا المرض وأصبح من الممكن القول إنه بات نادراً في كثير من البلدان بفضل هذه الجهود.
كذلك عملت اليونسيف على تحسين وضع الأطفال من ذوي الإعاقة الذين كانوا في السابق يهمشون في معظم المجتمعات
فمن خلال تحسين الوصول إلى خدمات التعليم والرعاية الصحية وتقديم الدعم النفسي للأطفال الذين يعانون من مشاكل نفسية تمكنت اليونسيف من مساعدتهم في الحصول على فرص متكافئة في الحياة لتمكينهم من مواجهة تحدياتهم وعيش حياة كريمة.
لكن التحديات التي تواجهها اليونسيف تتطور مع مرور الوقت ففي عالم يتسم بسرعة التغيرات الإقتصادية والتكنولوجية أصبح من الضروري على المنظمة أن تواكب هذه التغيرات لتظل قادرة على تقديم الدعم الفعال للأطفال في مختلف أنحاء العالم
التغيرات المناخية والنزاعات المسلحة المستمرة والتحديات الرقمية أصبحت جميعها قضايا جديدة تتطلب إستجابة مبتكرة
فمن خلال التعاون مع الحكومات والمجتمعات المحلية تعمل اليونسيف على تأمين حقوق الأطفال في هذه الظروف المتغيرة من خلال تفعيل برامج جديدة وطرق مبتكرة للإستجابة لتلك الأزمات.
تظل اليونسيف رغم التحديات أحد أكثر المنظمات التي تحظى بثقة شعوب العالم في ما يتعلق بالدفاع عن حقوق الأطفال
إن الإنجازات التي حققتها على مدار تاريخها الطويل تثبت قدرتها على التكيف مع الواقع وتقديم حلول ملائمة للمشكلات التي تواجه الأطفال حول العالم
ومع ذلك لا تزال الحاجة إلى التعاون الدولي المستمر قائمة لضمان تمويل برامج اليونسيف وتوسيع نطاق أعمالها في جميع أنحاء العالم ليتمكن ملايين الأطفال من الإستفادة من دعمها.
من خلال هذه الجهود المستمرة تواصل اليونسيف العمل على ضمان أن كل طفل يحصل على فرصة لمستقبل أفضل
تتعاون اليونسيف مع الحكومات ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 والتي تشمل توفير التعليم الجيد وتعزيز صحة الأطفال وحمايتهم من العنف والاستغلال
يمكن القول إن المنظمة تساهم بشكل كبير في تحقيق تقدم حقيقي في رفاهية الأطفال على الصعيد العالمي.
وفي ذكرى تأسيسها تظل اليونسيف تمثل رمزاً للأمل والتفاني في العمل من أجل مستقبل أفضل للأطفال في كل أنحاء العالم
إن الالتزام المستمر بحماية حقوق الأطفال لا يزال محركاً أساسياً لكل الأعمال التي تقوم بها المنظمة وقدرتها على التكيف مع التغيرات المعاصرة تجعلها في طليعة الدفاع عن حقوق الأطفال وحمايتهم من التحديات المعاصرة
سواء في مناطق النزاع أو الفقر أو الكوارث الطبيعية تظل اليونسيف حاضرة في جميع الأماكن التي تتطلب تدخلاً من أجل حماية الأطفال مؤكدة أن العطاء الإنساني لا حدود له.
اليوم ونحن نحتفل بذكرى تأسيس اليونسيف ندرك أكثر من أي وقت مضى أهمية الدور الذي تلعبه هذه المنظمة العالمية في بناء مستقبل أفضل للأطفال حول العالم وإن الجهود المبذولة في سبيل تحسين حياتهم تستحق التقدير والتعزيز على مستوى العالم لتحقيق هدف سامي واحد هو أن يعيش كل طفل في بيئة مليئة بالأمل والفرص التي تضمن له حياة أفضل
من خلال العمل المشترك والتعاون الدولي ستواصل اليونسيف التطلع إلى آفاق جديدة في هذا المجال الحيوي لتضمن للأطفال غداً أفضل وأكثر أماناً.
التسميات
مقالاتي