التدخلات الدولية وأسباب تحول المشهد السوري
مع مرور الأيام يتسارع التحول في سوريا حيث تنسحب قوات النظام السوري بشكل مفاجئ من مناطق عديدة ويحل محلها الفصائل المعارضة التي تتمكن من السيطرة على مساحات واسعة من البلاد
هذا التغيير الكبير الذي وقع مؤخراً في سوريا يثير العديد من الأسئلة حول الأسباب الحقيقية وراء هذه التطورات السريعة خاصة في ظل التأكيدات على أن هذا الإنسحاب لم يكن مجرد قرار داخلي بل جزء من ترتيبات وتفاهمات دولية معقدة
فهل كان الحراك الداخلي السوري مجرد محض صدفة أم أن هناك قوى خارجية ساعدت في تسريع هذا التحول؟
• الإنسحاب المفاجئ للنظام السوري بين العوامل الداخلية والخارجية
١- الإرهاق العسكري والإقتصادي
منذ إندلاع الثورة السورية في عام 2011 مر النظام السوري بتحديات كبيرة حيث تعرضت قواته العسكرية للإرهاق والتعب من جراء الحرب المستمرة
على الرغم من الدعم الكبير الذي تلقاه من حلفائه مثل إيران وروسيا إلا أن العمليات العسكرية إمتدت لفترة طويلة وأثقلت كاهل الجيش السوري
وقد أثبتت هذه الحرب أنها أكثر تعقيداً من أن يتم التعامل معها بشكل سريع خاصة في ظل إنقسام البلاد إلى مناطق خاضعة لسيطرة أطراف متعددة بما في ذلك النظام والفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية.
في الوقت نفسه عانى الإقتصاد السوري من تدهور شديد جراء العقوبات الدولية ما أثر في قدرة النظام على توفير التمويل اللازم لإستمرار العمليات العسكرية
وفي ظل هذا الوضع كان من السهل على المعارضة إستغلال هذه الثغرات والفراغات في قدرات النظام للتوسع في أراض جديدة.
٢- الدور الروسي والإيراني في دعم النظام
الحديث عن الإنسحاب المفاجئ للنظام السوري يضعنا أمام سؤال حول دور الحلفاء الدوليين في هذا التحول
فمن المعروف أن روسيا وإيران قد لعبتا دوراً أساسياً في دعم نظام بشار الأسد منذ بداية الصراع لكن من غير المستبعد أن تكون هذه الدول قد خفضت أو حتى سحبت جزءاً من دعمها لأسباب سياسية أو إستراتيجية
روسيا على سبيل المثال كانت تسعى للحفاظ على مصالحها الإستراتيجية في البحر الأبيض المتوسط وتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط وبالتالي قد تكون قد قررت تقليص التورط العسكري المباشر لحماية مصالحها بعيداً عن مستنقع الحرب المستمرة
بينما إيران التي كانت تدعم نظام الأسد بهدف تعزيز نفوذها في المنطقة ربما أدركت أنه لا جدوى من إستمرار الدعم العسكري المباشر في ظل إنسداد الأفق السياسي في سوريا.
٣- التغيير في السياسة الغربية والعربية
على جانب آخر يمكن إرجاع الإنسحاب السوري جزئياً إلى التغيرات في السياسات الإقليمية والدولية
فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين لم يكونوا يقدمون دعماً كاملاً للمعارضة السورية كما فعلت بعض الدول العربية إلا أنهم أصبحوا أكثر إنتقاداً لسياسات الأسد في السنوات الأخيرة
الدول العربية مثل السعودية وقطر التي كانت تقدم دعماً مالياً وعسكرياً للمعارضة في مراحل معينة قد تكون قد قررت التخلي عن هذا الدعم إما بسبب الضغوط الدولية أو نتيجة لإعادة تموضع إستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط.
• دور القوى الخارجية (تركيا - إسرائيل - دول أخرى)
١- التدخل التركي
تعتبر تركيا واحدة من القوى الإقليمية الفاعلة التي لعبت دوراً مهماً في الملف السوري
منذ بداية النزاع دعمت تركيا الفصائل المعارضة خاصة تلك التي تروج لأيديولوجيات قريبة من الإسلام السياسي
ووفرت أنقرة دعماً لوجستياً وعسكرياً لعديد من الفصائل المسلحة بما في ذلك تدريبهم على الأسلحة الحديثة وتقديم الدعم الإستخباراتي
تركيا سعت أيضاً إلى ضمان وجود منطقة آمنة على حدودها الجنوبية في شمال سوريا حيث كانت تخشى من ظهور تهديدات إرهابية من قبل الجماعات الكردية السورية والتي تعتبرها إمتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يهدد أمنها الداخلي
وفي الوقت الذي كانت فيه روسيا وإيران تدعمان النظام السوري كانت تركيا توازن هذه القوى بالتحالف مع المعارضة وتعمل على تعميق نفوذها في سوريا.
٢- الدور الإسرائيلي
إسرائيل على الرغم من عدم تدخلها المباشر في الصراع السوري إلا أن لها دوراً غير مباشر من خلال ضرباتها الجوية المستمرة ضد أهداف إيرانية في سوريا
حيث تسعى إسرائيل إلى منع إيران من ترسيخ وجود عسكري في سوريا بما في ذلك تمويل وتدريب الجماعات المسلحة مثل حزب الله
هذه الضربات الإسرائيلية قد تكون أسهمت في إضعاف الجيش السوري وإعاقة قدرة النظام على الحفاظ على المناطق التي تسيطر عليها قواته
ومع تزايد الإنقسامات في سوريا وظهور المعارضة كقوة مسيطرة في بعض المناطق قد تكون إسرائيل قد رأت فرصة في إنهاء هذا الصراع لصالحها عبر تعزيز قدرات المعارضة بما يساهم في إضعاف الهيمنة الإيرانية في المنطقة.
٣- الدعم الغربي والعربي للمعارضة
تلقت المعارضة السورية دعماً كبيراً من دول غربية وعربية سواء من حيث التمويل أو الأسلحة أو التدريب العسكري الولايات المتحدة رغم ترددها في دعم المعارضة بشكل كامل قدمت في بعض الأحيان المساعدات اللوجستية والمالية بينما قامت دول مثل السعودية وقطر بتزويد الفصائل المسلحة بالسلاح والمال
هذا الدعم لعب دوراً حاسماً في تمكن المعارضة من التوسع في باقي المناطق السورية مما أصبح هناك تنسيق بين بعض الفصائل المعارضة لتحقيق أهداف مشتركة في الوقت الذي كانت فيه حكومة الأسد تواجه صعوبات في توفير الدعم اللوجستي لأجنادها.
• التفاهمات والصفقات خلف الكواليس
قد يكون الإنسحاب السريع لقوات الأسد بمثابة نتيجة لتفاهمات خلف الكواليس بين القوى الكبرى
فهناك إحتمالية كبيرة أن تكون هناك صفقات دولية قد تركزت على إعادة رسم خارطة النفوذ في سوريا
هذا يمكن أن يتضمن تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ مختلفة بحيث يضمن كل طرف الحفاظ على مصالحه الاستراتيجية في المنطقة
من الممكن أن تكون هذه التفاهمات قد شملت روسيا التي تسعى للحفاظ على مصالحها في البحر المتوسط والولايات المتحدة التي تريد تقليص النفوذ الإيراني بالإضافة إلى دول أخرى مثل تركيا التي تسعى لضمان أمن حدودها الشمالية.
وإني أرى أن الأحداث الأخيرة في سوريا من إنسحاب قوات النظام وسيطرة المعارضة على مناطق واسعة لا يمكن قراءتها بمعزل عن التفاعلات الدولية والإقليمية
فبينما يتصارع النظام مع أزمات داخلية من جراء إستنزاف الموارد والضغوط العسكرية والإقتصادية فإن قوى خارجية مثل: (تركيا - إسرائيل - روسيا - الولايات المتحدة) قد تكون قد لعبت دوراً مهماً في الدفع بهذا التحول السريع
وفي ظل هذه التوترات يبقى السؤال الأهم:
- هل ستتمكن المعارضة السورية من الحفاظ على المكاسب التي حققتها؟
أم أن سوريا ستواجه مرحلة جديدة من التقسيم والصراعات الداخلية التي ستؤدي إلى تحول أكبر في موازين القوى في المنطقة؟.
التسميات
آخر الأخبار