هل تحول الحلم بالسكن إلى عبء لا يحتمل؟
في زمن تسعى فيه الحكومات لتوفير خدمات الإسكان للمواطنين منخفضي الدخل يبدو أن الخطط الطموحة قد تتحول أحياناً إلى كابوس عندما تكون آليات التنفيذ مليئة بالمشكلات وهذا ما يعاني منه المتقدمون لطرح الإسكان الحالي سكن لكل المصريين ٥
الموقع الرسمي المخصص لهذا الإعلان يواجه مشكلات تقنية مستمرة مما يحول عملية التقديم إلى تجربة محبطة ومربكة للكثيرين
عندما تتصفح الموقع تجد أن الأدوات الأساسية المرتبطة بالإعلان مثل التسجيل وتقديم الطلبات معطلة لا تعطي إختيار الإعلان وتعمل بكفاءة منخفضة بين الحين والآخر حيث يتطلب من المستخدمين محاولات متكررة للوصول إلى الخانة المطلوبة لتحديد الإعلان وإذا تمكنوا من تقديم طلبهم تظهر لهم رسالة صادمة تفيد بحفظ الطلب وعدم تأكد الصندوق من دفع المتقدم جدية الحجز على الرغم من أنه قد دفع المبلغ مسبقاً ومعه إيصال بالدفع
تتفاقم المشكلات عندما نصل إلى نقطة التواصل مع الجهات المسؤولة لحل هذه الأزمات
مواقع التواصل الاجتماعي لصندوق الإسكان التي يفترض أنها وسيلة فعالة وسريعة للتواصل تتحول إلى جدران صامتة
الرسائل التي يرسلها المتقدمون تقرأ وتهمل دون رد والتعليقات على المنشورات تغلق أمام الجمهور مما يعطي إنطباعاً واضحاً بأن هناك محاولة لتجنب المواجهة أو الإستماع لشكاوى المواطنين هذه التصرفات تظهر عدم إهتمام بالصوت الشعبي وتزيد من شعور المتقدمين بالخذلان والعجز عن الوصول إلى حل لمشكلاتهم
بالإضافة إلى ذلك يبدو أن الخط الساخن الذي يفترض أن يكون وسيلة دعم مباشر وسريعة قد أصبح عبئاً إضافياً على المواطنين
حيث أن تكلفة الدقيقة الواحدة التي تصل إلى جنيهين تثقل كاهل المتصلين منخفضي الدخل خاصة عندما يستمر الإنتظار لفترات طويلة دون الحصول على إجابة
ليس هذا فحسب بل هناك شكاوى متكررة من إغلاق الخط فجأة بعد تحويلهم لأحد مقدمي الخدمة أثناء شرح شكواهم دون تقديم أي مساعدة تذكر
هذا التعامل لا يعكس فقط عدم كفاءة النظام بل يعبر عن غياب الإهتمام بالمواطن الذي يفترض أن يكون محور الخدمة
الواقع المؤسف هو أن أغلب المواطنين الذين يحاولون الإستفادة من هذا الطرح هم من الفئات التي تبحث عن حلول سكنية بسبب ظروف إقتصادية صعبة وبالتالي فإن تحميلهم تكلفة باهظة للإتصال بخط ساخن أو إجبارهم على التعامل مع نظام إلكتروني معطل يزيد من معاناتهم
كثيرون من منخفضي الدخل لا يستطيعون تحمل تكلفة الإنتظار على الخط لفترات طويلة ومع ذلك يضطرون للإتصال أكثر من مرة بسبب قطع الخط فجأة دون تحقيق الغرض المطلوب
المشكلة هنا ليست فقط في الأدوات التقنية بل في نهج التعامل مع الجمهور بشكل عام
بدلاً من توفير تجربة سهلة ومريحة تعكس الإهتمام بالمواطن وتقدير وقته وأمواله يجد منخفضي الدخل أنفسهم في مواجهة مع طرح معقد
مثل هذه التجارب تترك أثراً سلبياً في أذهان المتقدمين وتؤدي إلى فقدان الثقة في الجهات المعنية وهو أمر خطير للغاية في قطاع يعتبر أحد الركائز الأساسية لإستقرار المجتمع
من غير المقبول أن تظل هذه المشكلات دون حلول خاصة أن التحديات التي تواجه المواطنين معروفة ومكررة في كل طرح جديد
إن كانت هناك نية حقيقية لتحسين هذا القطاع وتوفير خدمة تليق بالمواطنين فيجب أن تبدأ الجهات المسؤولة بمعالجة هذه الأزمات بجدية وشفافية يمكن أن تبدأ هذه الجهود بتحديث النظام الإلكتروني لضمان فعاليته وكفاءته مع توفير آليات واضحة للتحقق من صحة بيانات المتقدمين مثل تأكيد دفع جدية الحجز عبر رسائل نصية فورية
كما أن على صندوق الإسكان إعادة النظر في إستراتيجيات التواصل الخاصة به يجب أن تكون مواقع التواصل الإجتماعي وسيلة للإستماع الفعلي لشكاوى المواطنين وليس مجرد منصة للإعلانات المغلقة
فتح التعليقات والرد على الرسائل بشكل مهني وسريع يمكن أن يعيد ثقة المواطنين في الصندوق ويمنحهم شعوراً بأن صوتهم مسموع وأن مشكلاتهم تحظى باهتمام
أما بالنسبة للخط الساخن فمن الضروري توفير خط يناسب محدودي الدخل بسعر الدقيقة العادية لتكون في متناول الجميع بالإضافة إلى تقصير فترات الإنتظار قدر الإمكان من خلال زيادة عدد الموظفين المتاحين للرد على الإتصالات
وإذا كانت هناك حالات تستدعي وقتاً أطول لحل المشكلة فيجب أن يتم توجيه المتصلين إلى قنوات بديلة للحصول على المساعدة دون الحاجة إلى إعادة الاتصال
التعامل مع شكاوى المواطنين ليس رفاهية أو خياراً يمكن تجاهله بل هو التزام يعكس إهتمام الدولة لمواطنيها ورغبتها الحقيقية في تحسين حياتهم المشكلات التقنية والإدارية التي تواجه طرح الإسكان الحالي ليست مجرد عوائق بسيطة بل هي مرآة تعكس مستوى الأداء المؤسسي ومدى جدية الجهات المعنية في تحقيق أهدافها
علاوة على ذلك النماذج الإسترشادية للأسعار المطروحة للوحدات في المدن الجديدة لمنخفضي الدخل مع فترات إستلام تصل إلى 36 شهراً تبدو بعيدة تماماً عن الواقع الذي يعيشه كثير من المواطنين وتحديداً الأعزب الذي يعتمد على راتب منخفض لا يتناسب مع تلك الأسعار بأي حال من الأحوال
إذا أخذنا في الإعتبار أن غالبية هذه الفئة تتقاضى رواتب بالكاد تغطي نفقات الحياة الأساسية فإن فكرة الإلتزام بمبالغ كبيرة للدفع على مدى سنوات تبدو أشبه بالمستحيل
فكيف يمكن لمن يعاني من تغطية تكاليف معيشته اليومية أن يتحمل أقساطاً مرتفعة وأسعاراً لا تتماشى مع قدراته؟ الأمر لا يقتصر على مجرد فجوة بين الأسعار والدخل بل هو إنعكاس لغياب رؤية واقعية تأخذ في الإعتبار الظروف الإقتصادية والمعيشية لفئة تعتبر الأكثر حاجة إلى الدعم الحكومي
من المؤسف أن يجد منخفض الدخل الذي يفترض أن يكون المستفيد الأول من مشاريع الإسكان الإجتماعي نفسه عاجزاً عن الإستفادة من تلك الطروحات بسبب سياسات تسعير غير مدروسة
عندما تصبح الأسعار غير مناسبة لرواتب محدودي الدخل فإن المشروع برمته يفقد هدفه الأساسي وهو توفير السكن الملائم لشريحة كبيرة من المجتمع
المواطن الأعزب والأسر منخفضة الدخل الذين يتحصلون على الحد الأدنى من الأجور غالباً ما يكون لديهم تحديات مالية متعددة بدءاً من تكاليف الإيجار العالية وصولاً إلى الإلتزامات المعيشية اليومية الأخرى
توقع أن يستطيع هذا المواطن الإلتزام بدفع أقساط وحدات سكنية بأسعار مرتفعة هو أمر غير منطقي ويزيد من شعور هذه الفئة بالإستبعاد
هذه الفجوة بين القدرة المالية للفئة المستهدفة والأسعار المطروحة تدل على غياب التنسيق بين السياسات الإقتصادية والإجتماعية وعدم فهم الإحتياجات الفعلية للمواطنين
إن السياسات المتعلقة بتسعير الوحدات يجب أن تأخذ بعين الإعتبار ليس فقط تكلفة البناء بل أيضاً أجور المواطنين التحدي الأكبر ليس فقط في طرح وحدات بأسعار معقولة بل في توفير نماذج تمويل مرنة تتناسب مع ظروف مختلف الفئات
ربما يكون الحل في إعادة هيكلة خطط الدفع وتقليل التكاليف الإجمالية للوحدات مع تقديم دعم مالي حقيقي للفئات الأكثر إحتياجاً
علاوة على ذلك يجب أن تكون هناك شفافية أكبر في تحديد الأسعار وربطها بالمستوى المعيشي والدخل الفعلي للفئات المستهدفة
فمثلاً يمكن إجراء دراسات معمقة حول متوسط رواتب محدودي الدخل وتحديد نطاق سعري يتناسب مع هذا المتوسط بدلاً من الإعتماد على تقديرات غير واقعية
في ظل الظروف الإقتصادية الراهنة ومع إرتفاع تكاليف المعيشة بشكل مستمر يجب أن تكون السياسات الإسكانية أكثر مرونة وشمولية
إذا إستمرت هذه المشكلات دون حلول فإن الهدف الأساسي لمشاريع الإسكان الإجتماعي وهو توفير السكن الكريم للمواطنين الأكثر إحتياجاً سيتحول إلى مجرد شعار فارغ لا يعكس الواقع
المواطنون ليسوا بحاجة إلى وعود براقة أو مشاريع ضخمة لا يستطيعون تحمل تكاليفها بل هم بحاجة إلى حلول حقيقية وملموسة تلامس حياتهم اليومية وتخفف من معاناتهم
من الضروري أن تعمل الجهات المعنية على مراجعة شاملة لآليات التسعير والتواصل وضمان أن تكون مشاريع الإسكان الإجتماعي حقاً في متناول الجميع خاصة أولئك الذين يمثلون النسبة الأكبر من المستحقين للدعم.
التحديات التي تواجه طرح الإسكان الحالي بدءاً من تسعير الوحدات وصولاً إلى المشكلات التقنية ليست مجرد أزمات عابرة بل هي إنعكاس لخلل أعمق يتطلب تدخلاً فورياً وجاداً
المواطنون الذين يضعون آمالهم على هذه المشاريع يستحقون أكثر من مجرد نظام إلكتروني معطل وأسعار لا يمكنهم تحملها إن توفير السكن الملائم ليس فقط حقاً أساسياً لكل مواطن بل هو أيضاً مؤشر على مدى التزام الدولة بتحقيق العدالة الإجتماعية وتلبية إحتياجات شعبها.